بقلم: فهد البرشاء- ارشيف الكاتب
كنت في نقاش ودي مع بعض الأصدقاء عن الوضع العام وما آلت إليه أحوال الناس، وتردي الخدمات وتدهور العملة، ومن يقف خلف ذلك ويريد للبلاد أن تظل في حالة الضياع والشتات والجوع الذي يعاني منه البسطاء فيها.
وفي خضم النقاش، قادتنا الذكريات إلى الزمن الغابر والسنوات الخوالي التي كان الناس فيها ينعمون بالسكينة والاستقرار الأمني والاقتصادي، وعدم انهيار العملة التي أضحت في أسوأ حالاتها، لا سيما في المناطق المحررة حد تسميتها.
فكان لثورة (الخراب) التي طالت العديد من البلدان العربية، وكانت اليمن إحدى محطاتها، نصيبُ (الأسد) من نقاشنا العفوي المملوء بالقهر والانكسار والوجع، وكيف غدت قياداتها في نعيم مقيم، فيما تدهور حال الكثيرين من البسطاء، وما خلفته الحرب التي تبعتها من دمار وتشريد وتنكيل وقتل واقتتال منذ ذلك الحين.
إذ لم يستفد من هذه الثورة المشؤومة إلا (ثلة) فاسدة نفذت أجندات ومخططات، أخذت مقابلها حياة (رغيدة) وأموالًا طائلة وصكوك حصانة من الجوع والفقر والضياع والشعور بالانكسار، والسفر من قُطر إلى آخر، بينما الشعب الذي صفق يومًا لهذه الثورة (المغلوطة) يعيش في ضنك وضيق وفقر وجوع.
اليوم، في ذكرى هذه الثورة التي دمرت كل جميل في هذا البلد، رغم مساوئ قادته التي لا تساوي شيئًا مقارنة بما يحدث اليوم من استنزاف لخيرات هذا البلد ونهب ثرواته وتشتيت أهله وإذلالهم وتجويعهم، سيحتفل اللصوص ويرقصون طربًا في ذكرى خراب البلد وتدميره، في بارات دول العالم، ويتغنون بنصرٍ لم يصنعوه، بل ببيع وطنهم في سوق النخاسة وتسليمه على طبق من ذهب لمن يعبثون به ويقتلون أبناءه، ويعتلون المناصب، ويلقون خطاباتهم الجوفاء الخالية من مضامين الوطنية.
إن جاز لي التعبير، سأسميها ذكرى الوجع وضياع الوطن، ذكرى الانجرار كالقطعان الضالة خلف ذئاب مفترسة تقمصت دور البراءة والأمانة والنزاهة والصدق، إلا أنها أهلكت الحرث والنسل، وأحرقت الأخضر واليابس، ولم تُبقِ ولم تذر.
ذكرى الأنين للأرامل واليتامى والمكلومين من أبناء الشعب الذي استُبيحت كرامته وسُفكت دماؤه، وانسكب ماء وجهه دون أي رحمة أو إنسانية أو ضمير.