الجنوب ڤويس/خاص
في ليلة سوداء أخرى، لا يشبه ظلامها إلا ظلام القبور، غرقت عدن ولحج وأبين في انقطاع كهربائي كارثي، لم يكن مجرد انقطاع، بل كان حكمًا بالإعدام على العشرات.
المشافي التي كانت تئن بأصوات الأجهزة الطبية تحولت إلى مقابر صامتة، حيث توقفت أجهزة التنفس الاصطناعي عن العمل، وبدأ المرضى يختنقون واحدًا تلو الآخر، عيونهم تتسع رعبًا، وأجسادهم تتشنج في محاولات يائسة لاستنشاق الحياة، لكن لا حياة في مدينة مات فيها كل شيء.
في المشارح، الجثث لم تعد مجرد جثث، بل كتل من اللحم المتحلل، تتفجر منها الروائح النتنة، مشاهد أشبه بجحيم لا يطاق.
الممرات ضاقت بأكياس الموتى، والأطباء المنهكون لم يعودوا قادرين حتى على تسجيل أسمائهم، فالموت صار أسرع من القلم، وأبشع من الوصف.
الأمهات يلطمن وجوههن أمام الجثث، والآباء يقفون كالأصنام، لا يعرفون إن كانوا يدفنون أبناءهم أم يدفنون أرواحهم معهم.
وفي الحضانات، صراخ الأطفال حديثي الولادة بدأ يخفّ تدريجيًا، ليس لأنهم توقفوا عن البكاء، بل لأنهم توقفوا عن العيش.
أجساد صغيرة زرقاء باردة، عيون مغلقة، أنفاس أخيرة خرجت في عتمة الموت، لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمن الظلام.
ونحن فقط لا نزال في فصل الشتاء… فماذا سيحدث حين يدخل الصيف الحارق؟ حين تتحول هذه المدن إلى أفران موت، وحين تتضاعف أعداد الجثث، ولا تجد حتى مكانًا لدفنها؟ حين يصرخ الناس طلبًا للنجاة، ولا يسمعهم أحد، لأن الموت وحده من يستمع ويجيب؟
ما يحدث ليس مجرد أزمة كهرباء، بل حرب صامتة ضد الجنوبيين، والإعلام الممول هو أحد أخطر أسلحة هذه الحرب.
طالما أن الإعلام لا ينقل الحقيقة، سيبقى الظلام، وسيبقى الجحيم مستمرًا، بلا محاسبة، وبلا تغيير.